العلمانية المؤمنة -الجزء الاول-

العلمانية المؤمنة -الجزء الاول-

  • العلمانية المؤمنة -الجزء الاول-

اخرى قبل 3 سنة

العلمانية المؤمنة -الجزء الاول-

د.سالم سرية- اكاديمي وكاتب ( فلسطين)

لاشك ان الحديث عن العلمانية حديثا شائكا وحساسا في نفس الوقت واخذ حيزا كبيرا من النقاش بين المفكرين العرب منذ نهاية العشرينات من القرن الماضي وحتى الان.فنشرت عشرات الكتب بين مؤيد ومعارض ودفع بعض المفكرين حياتهم ثمنا لوجهة نظرهم (مثل فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ ....الخ ) وولدت تيارات وجماعات مغالية في التطرف (لرفضها المطلق باعتبارها الحاد) وحركات مغالية في التأييد (باعتبارها نقطة البداية للحداثة (مثل جورج طرابيشي وعزيز العظمة وعبد الاله بلقزيز والمفكرين الماركسيين والليبراليين بشكل عام ) وحركات معتدلة ومنفتحة حديثا (راشد الغنوشي مثلا ) ومفكر بارز نادى بالغائها من القاموس السياسي مثل محمد عابد الجابري . واتجاه قومي دعى للتفاعل مع معطيات العصر والتفاعل معها ضمن منطق يعزز وحدة الامه (المفكريين القوميين ). ان هذا الصخب الفكري والصراع السياسي والايديولوجي قد احتدم واشتعل اواره بين التيارات السياسية والفلسفية العربية عندما تم زج الدين بالسياسة وطرح سيد قطب في مؤلفاته طريقا يعتمد على الآية الكريمة (بل آيات مما ورد في القرآن الكريم ) وما الحكم الا لله . ثم توالى رفع شعار :الاسلام هو الحل اضافة الى اشكالية العلاقه بين الدوله والدين.وهذه الإشكالية تطل برأسها في العديد من دول العالم حتى الوقت الراهن( منشورات الدين والسياسة في امريكا مثلا).

فهل حقا ان من يؤمن بالعلمانية (افراد وحركات ) انما يدعوا للالحاد ؟ وهل هو مفهوم فكري غربي الجذور والمنشأ يراد به نسف الاسلام من جذوره ؟ وهل هناك علمانية واحدة في العالم يمكن الاقتداء بها او رفضها ام ان هناك علمانيات مختلفه ومتمايزة عن بعضها في دول العالم (بريطانية ,فرنسا بلجيكا وامريكا وتركيا.. .الخ ). وهل العلمانية هي ببساطة فصل الدين عن الدوله او الحياد بين الدين والدولة؟ لذا تصبح الاجابة على كل هذه التساؤلات المشروعه ضرورية جدا خاصة وان اردوغان يطرح بشكل علني وواضح انه علماني ومع هذاتسيرالتيارات الاسلامية السياسية العربية بركبه !! . ان كل ما سبق ذكره يستدعي ان نرجع الى جذور مصطلح العلمانية من الناحية اللغوية. وهل العَلمانية بفتح العين (العَالمانية – من عَالَم) ام العِلمانية بكسر العين (العِلمانية –من عِلم ). ذلك ان بعض المفكرين والفلاسفة قد تحدث عن العَلمانية (بفتح العين) مثل  د.محمد البهي ود.محمد عمارة ود.عبدالوهاب المسيري ود.السيد رزق الحجر ود.أحمد فرج، ود.عبدالصبور شاهين، ود.عدنان الخطيب ود.حسن حنفي، وغير هؤلاء من الباحثين) وقسم تحدث عن العِلمانية (بكسر العين) مثل (د.يوسف القرضاوي، ود.عبدالعظيم المطعني، ومحمد مهدي شمس الدين، ود.عماد الدين خليل ود.زكي نجيب محمود، ود.سفر الحوالي) وقسم أجاز الفتح والكسر مثل (د.عزيز العظمة، وإن كان يفضل الكسر، ود.رفعت السعيد.))(1)

تعريف العلمانية:

ان الحقيقة التي لا مفر منها ان العودة الى جذور المصطلح لغويا تبين ان العَلمانية هي (بفتح العين) وليس بكسر العين ولا صلة لها من قريب او بعيد بالعلم كما انه لا صلة لها ابدا بالكفر او بالإلحاد . كما ان جذورها التاريخية ليست اوروبية المنبت ولا الثمار بل لها جذور عربية تعود الى ما قبل القرن العاشر الميلادي. وهي كما وردت في معجم العلوم الاجتماعية: نسبة إلى(العَلَم.. بمعنى: العالم)، وهو خلاف الديني أو الكهنوتي، وأساسها: وجود سلطة مدنية هي سلطة الولاة والأمراء...و سلطة روحية هي سلطة الكنيسة.. وتقول دائرة المعارف البريطانية: «العَلمانية - سيكوليرزم - (secularism): « هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها..» ويقول معجم أكسفورد: «العلمانية تعني»: دنيوي أو مادي ليس دينيًا ولا روحيًا: والعَلمانية - بفتح العين - هي الترجمة الصحيحة على غير قياس لكلمة secularism الإنجليزية أو secularit الفرنسية، وهاتان الكلمتان لا صلة لهما بلفظ العلم ومشتقاته، فالعلم في الإنجليزية والفرنسية يعبر عنه بكلمة science والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة scientism والنسبة إلى العلم هي scientific أوscientifique في الفرنسية، والترجمة الدقيقة للكلمة هي العالمانية أو الدنيوية أو اللادينية، ولكن تحولت كلمة عالمانية إلى عَلمانية لأن العربية تكره تتابع الحركات وتلجأ إلى التخفف منه(2). ولعل المعنى الصحيح لترجمة كلمة «العلمانية» هي «اللادينية» أو «الدنيوية»، لأنها مشتقة من العالم أي «الدنيا» ومن هنا فإن العلماني هو الدنيوي لأنه يهتم بالدنيا، بخلاف الديني أو الكهنوتي، فهذا الأخير يهتم بالآخرة. ويتضح ذلك مما تورده دوائر المعارف الأجنبية للكلمة حيث: تقول دائرة المعارف الأميركية: الدنيوية هي: نظام أخلاقي أسس على مبادئ الأخلاق الطبيعية، ومستقل عن الديانات السماوية، أو القوى الخارقة للطبيعة(3).

والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو: فصل الدين عن الدولة. وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة. وهذا التأصيل المعجمي لمصطلح العلمانية في اللغة، يكاد يكون حاسمًا في أن العلمانية من العالم، وليس من العلم، ولذلك فهي بفتح العين وليس بكسرها. إن العلمانية في الاصطلاح هي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين، وتعني في جانبها السياسي بالذات.. اللادينية في الحكم.

ان أصول الكلمة تعني يستولد أو ينبت، أو يبذر أو يستنبت من الاهتمامات الدنيوية الحياتية، ومن هنا فإنها استخدمت كصفة أيضا لأصحاب هذه الاهتمامات الدنيوية، وللكلمة أيضا دلالة زمنية(saeculum) في اللاتينية بمعنى القرن حيث إنها تصف الأحداث التي تقع مرة واحدة في كل قرن، فالدقة الكاملة لترجمتها كمايشير د. فؤاد زكريا هي الزمانية، فالعلمانية ترتبط بالأمور الزمانية، أي بما يحدث في هذا العالم وعلى هذي الأرض، في مقابل الأمور الروحانية التي تتعلق بالعالم الآخر، وقد كان المترجمون قديما يستخدمون العلمانية كترجمة للكلمة الفرنسيةLAIQUE أوالإنجليزيةLAIQUE وهي المأخوذة عن اللاتينيةLAICU أي الجماهير العادية او الناس أو الشعب الذي لايحترف الكهانة تمييزا لهم عن رجال الدين، والمفهوم الثاني وإن كان لايستخدم الآن، يؤكد المفهوم الثاني ولاينفيه، فاللفظ قد تطور ليعبر عن التحول من حكم الإكليروس )الكهنوتي ( إلى السيطرة المدنية ) حكم الرجال العاديين ( المعنيين بالشئون الدنيوية ) الزمانية ( هذا عن المعنى اللغوي والذي كما رأينا لايعني الإلحاد لا من قريب ولا من بعيد(4).

المصادر

1. الحوالي، سفر بن عبدالرحمن. العلمانيه- رسالة ماجستير – جامعة ام القرى. https://www.noor-book.com

2. شاهين، عبدالصبور. العلمانية - تاريخ الكلمة، ص124، مقال ملحق ضمن كتاب أحمد فرج (جذور العلمانية )، الوفاء للطباعة والنشر، 1987م.

3. عطا، سامي. ما العلمانية ؟

https://pulpit.alwatanvoice.com/art.../2014/09/20/42428.html

4. يوسف، سامية. وهم العلمانية وضلالة العلمانيين.

https://www.kutub-pdf.net/book

5. بشارة، عزمي. الدين والعلمانية في سياق تاريخي،جزئين، https://www.books4arab.com

6. ابن المقفع، سايروس. مصباح العقل تقديم وتحقيق الاب سمير خليل سلسلة التراث العربي المسيحي مطبعة دار العالم العربي القاهرة 1978 ص 92-95.

7. طراببيشي جورج. هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة.

https://ketabpedia.com

8. المسيري، عبدالوهاب. العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.الكتاب صدر في طبعتين عن دار الشروق القاهرة 2002 في جزئين، الجزء الأول يتناول الجانب النظري بينما يتناول الثاني الجانب التطبيقي0 (مراجعة محمد فتوح في شبكة الجزيرة).

9. راشد الغنوشي –الجزيرة- https://www.aljazeera.net/opinions

10. يوسف القرضاوي. الاسلام والعلمانية وجها لوجه. ص 46 https://www.noor-book.com

 

 

 

التعليقات على خبر: العلمانية المؤمنة -الجزء الاول-

حمل التطبيق الأن